جديد

الخميس، 18 فبراير 2021

القدس وآفاق التحدي

 


القدس وآفاق التحدي

الفصل الأول

عبقرية المكان والجغرافيا

 أولاً: الموقع الجغرافي:

لا شكَّ أن الموقع الجغرافي له أهميته الكبرى عند التعرُّض لدراسة تاريخ أو حضارة بلدٍ ما؛ حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال "فصل البعد الزمني عن البعد المكاني، لا سيَّما وأن البعد التاريخي والسياسي لفلسطين والوطن العربي قديمًا وحديثًا ما هو إلاَّ محصِّلة بعدَين أساسيَّين هما: الموقع والموضع، الموقع الإستراتيجي الخطير، والموضع بثرواته وموارده، مع سيادة البعد الأول منذ فجر التاريخ وحتى نهاية القرن التاسع عشر، ثم تضافُر البعد الأول (الموقع) والبعد الثاني (الموضع)، منذ بداية القرن العشرين، ومع تفجُّر الثروة النفطية، وقد كان أحد أبعاد ظهور الكيان الصهيوني على أرض فلسطين تحقيق الهيمَنَة على الموقع والموضِع للوطن العربي من خلال السيطرة على فلسطين قلب الوطن العربي، وعلى النواة النووية للإسلام والعقيدة (القدس - الخليل)، ويؤكِّد هذا الاتجاه أن الصهيونية منذ إنشائها كفكرة، وظهور الكيان الصهيوني في المحتلِّ من أرضنا تخطِّط إستراتيجيَّتها على أساس مجموعة من العوامل الجيوبولتيكية والجغرافية والتاريخية والحضارية والسياسية والاقتصادية والإستراتيجية"[1].

  إن الدارس لموقع القدس وتطوُّرها عبر العصور يُلاحِظ تشابُهًا منقطِعَ النظير مع مكة المكرمة، فالمدينتان قامَتَا في موقعَين جبليين، وارتَبَط تطوُّرهما بالقداسة والتجارة، وهما معًا عانَتَا من مشاكل قلَّة المياه، وأكثر من هذا فكما أن اسم "مكة" أو "بكة" يعني: نبع الماء، يُرَجَّح علميًّا أن تسمِيَة القدس من حيث الأصل ارتبطَتْ بالماء.

"تقع القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقًا، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً، وترتفع نحو 750م عن سطح البحر المتوسط، ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، وتبعد القدس مسافة 52 كم عن البحر المتوسط غربًا، و22 كم عن البحر الميت ونهر الأردن شرقًا، و19 ميلاً - ما يقارب 24 كيلومترًا - عن مدينة الخليل جنوبًا، و30 ميلاً - أي: نحو 40 كيلومترًا - عن (السامرة) أو (سبسطية) شمالاً، وتبعد عن البحر الأحمر في الجنوب نحو 155 ميلاً أو حوالي 250 كيلومترًا.

  والقدس ذات موقع جغرافي مهم؛ لأن نشْأَتها جاءَتْ على هضبة القدس والخليل، وفوق القِمَم الجبلية التي تُمثِّل خط تقسيم المياه بين وادي الأردن شرقًا والبحر المتوسط غربًا، وجعَل هذا من اليسير عليها أن تتَّصل بجميع الجهات، وهي حلقة في سلسلةٍ تمتدُّ من الشمال إلى الجنوب، فوق القِمَم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية، وترتَبِط بطرق رئيسة تختَرِق المرتفعات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهناك طرق عرضية تقطع هذه الطرق الرئيسة، لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني، ومن بينها طريق القدس أريحا، وطريق القدس يافا.

 أهم الطرق التي تربِط مدينة "القدس" بباقي مدن فلسطين:

هناك طريقان رئيسان يربطان القدس بمدن فلسطين والبلدان العربية المجاورة وهما:

1 - الطريق الساحلي:

ويبدأ من مصر ويمتدُّ على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويستمرُّ حتى صور وصيدا، ويمرُّ بالمدن الفلسطينية الآتية: خان يونس وغزة ويافا وعكا.

 2 - الطريق الأوسط:

وكان يمتدُّ من بئر سبع حتى القدس، والتي كانت محطة مواصلات دولية في الشرق القديم؛ بمعنى: أن الكثير من الطرق كانت تخرج منها وتذهب إليها، ومن أهم هذه الطرق:

(أ) طريق "القدس - يافا":

وهو طريق وعر يمرُّ بمناطق جبلية حتى يصل إلى السهل الساحلي، ويبلغ طوله نحو 67 كيلومترًا، ويبدأ هذا الطريق من غربي "القدس" من عند الباب الغربي لها والمسمى بباب "يافا"، ويستمرُّ في هضبة "القدس" نفسها، ثم يعبر إلى "دير ياسين" و"أبو غوسن" ثم "الرملة"، حيث يبدأ الطريق في الانحدار، وابتداءً من "الرملة" وحتى السهل الساحلي يُطلَق عليه اسم طريق "باب الوادي"، وهو ممرٌّ يربِط السهل الساحلي بمدينة "القدس" وهو مفتاح المدينة المقدَّسة، ويقع على مسافة كيلومتر واحد من قرية "دير أيوب"، وطوله نحو 15 ميلاً، ويقع على بُعْد 24 كيلومترًا من "القدس"، وقد دارَتْ فوق أرضه معاركُ كبرى عبر القرون الطويلة الماضية، ويشتَمِل على وادي "علي" ومداخِله، والهضاب المطِلَّة عليه، والقرى القريبة منه كـ"هواس" و"اللطرون" و"تل الجزر" و"بيت نوبة" و"يالو" وغيرها، وذكر أن الخليفة الأموي "عبدالملك بن مروان" هو الذي أمر بإعمار المنطقة من "القدس" إلى "باب الوادي".

 (ب) طريق "القدس - حيفا":

ويمرُّ بمدن: "رام الله" و"نابلس" أو (شكيم) و"جنين" ثم "حيفا".

(ج) طريق "القدس - الجليل (أو طبرية):

ويمرُّ بكلٍّ من المدن الآتية: "رام الله" و"نابلس" و"سبسطية" و"العفولة" ثم "الجليل".

وهناك مجموعة من الطرق الأخرى التي تربِط ما بين مدينة "القدس" وعددٍ من العواصِم العربية المجاوِرَة، وهي: "القدس - عمان"، ويبلغ طوله 88 كيلومترًا، و"القدس - دمشق" وطوله 290 كيلومترًا، و"القدس - بيروت" وطوله 388 كيلومترًا، و"القدس - القاهرة" ويبلغ طوله 528 كيلومترًا... وهناك خطٌّ للسِّكَك الحديدية يربِط ما بين "القدس" ويافا، بجانِب اتِّصال المدينة المقدَّسة مع العالَم الخارجي عن طريق مطار "قلندية" شمال المدينة على الطريق إلى "رام الله".

وترجِع الأهمية الجغرافية لموقع القدس إلى أنه يجمع بين مزيَّة الاعتصام والانغلاق، وما يُعطِيه من حمايةٍ للمدينة، وميزة الانفتاح وما يُعطِيه من إمكانية الاتِّصال بالمناطق والأقطار المجاوِرَة، كما ترجِع هذه الأهمية إلى مركزيَّة موقع القدس بالنسبة إلى فلسطين والعالم الخارجي، وجاء الإسلام بعدئذٍ ليربِط بين مكة والقدس روحيًّا وماديًّا"[2].

 وفي المجال العسكري اكتَسَب موقِع القدس الجغرافي أهمية خاصَّة؛ نظرًا للحماية الطبيعية التي تزيد في الدفاع عنه، وعندما كانت الحملات العسكرية تنجح في احتلال القدس، كان ذلك النجاح إيذانًا باحتلال سائر فلسطين والمناطق المجاوِرَة لها.

 "وقد نشَأَت النواة الأولى لمدينة القدس على تلال الضهور (الطور - تل أوفل) المطلَّة على قرية سلوان إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، وقد اختِير هذا الموضع الدفاعي لتوفير أسباب الحماية والأمن لهذه المدينة الناشِئَة، وساعَدَتْ مياه عين أم الدرج في الجانب الشرقي من الضهور على توفير المياه للسكَّان، وأحَاط بهذا الموقع وادِي "جهنم" (قدرون) من الناحية الشرقية، وأحَاط به من الجهة الجنوبية وادي "الربابة" (هنوم) ووادي "الزبل" من الجهة الغربية.

 وقد كوَّنت هذه الأودية الثلاثة خطوطًا دفاعية طبيعية جعلت اقتحام القدس القديمة أمرًا صعبًا، إلاَّ من الجهتين الشمالية والشمالية الغربية؛ وبناءً عليه استولَتْ عليها جميع الجيوش عبر التاريخ ودخلَتْها من جهة الشمال"[3].

 لقد أغرى هذا الموقعُ الإستراتيجيُّ الخطيرُ اليهودَ باحتلاله؛ ليكون نواة وقاعدة صلبة ينطلِقُون منه لإحكام سيطرتهم على العالم أجمع، وهذا ما أعلَنَه زُعَماؤهم أمام مرأى ومسمع من العالم كله؛ ففي تصريحٍ خطيرٍ للدكتور "ناحوم جولدمان" رئيس المؤتمر اليهودي العالمي أعلَنَه في مدينة مونتريال في كندا سنة 1947م جاء فيه:

"لقد كان ممكِنًا لليهود أن يحصلوا على أوغندة أو مدغشقر أو غيرهما من الأقطار ليُنشِئوا فيها وطنًا يهوديًّا، ولكن اليهود لا يُرِيدون على الإطلاق غير فلسطين، وليس ذلك لاعتبارات دينيَّة أو بسبب إشارات التوراة إلى فلسطين فحسب، ولا لأن أرض فلسطين ومياه البحر الميت تحتويان على ثروات ضخمة عظيمة؛ بل لأن فلسطين هي أيضًا ملتقى الطرق بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، ولأنها المركز الحقيقي للقوَّة السياسية العالمية، والمركز العسكري الإستراتيجي للسيطرة على العالم"[4].

ثانيًا: المناخ:

1 - الحرارة والرياح:

تقع المدينة في إقليم "المرتفعات" أحد الأقاليم المناخية الأربعة لفلسطين (الثلاثة الأخرى هي: وادي الأردن، والنقب، وإقليم السهول الساحلية)، حيث ترتفع معدَّلات الأمطار السنويَّة والرطوبة في المدينة بسبب ارتفاعها عمَّا يجاوِرُها، ويُصنَّف مناخ المدينة على أنه من النوع "المتوسطي الجبلي"، ويبلغ متوسط درجة الحرارة في "القدس" سنويًّا نحو 17 درجة مئوية، وتهبط درجة الحرارة إلى أدنى مستوى لها في يناير حيث تصل إلى نحو 9,7 درجة مئوية، وقد تنخفِض شتاءً إلى ما دون الصفر (حتى خمس درجات تحت الصفر)؛ لذلك تتساقَط الثلوج أحيانًا على أعالي الجبال والتِّلاَل في المدينة وما حولها، أمَّا أقصى درجات الحرارة التي تصل إليها المدينة فهي ما بين 25 إلى 30 درجة مئوية في شهر أغسطس.

 أمَّا المعدَّل السنوي للحرارة في سفوح الحضيض فيتراوَح ما بين 19 - 20 درجة مئوية، وتتعرَّض المدينة تقريبًا لكافَّة أنواع الرياح؛ مثل الرياح الغربية والرياح الشمالية في فصل الشتاء، وكذلك الرياح الشرقية والرياح الجنوبية التي غالبًا ما تستمرُّ في هبوبها ما بين يومٍ إلى ثلاثة أيام وأحيانًا لفترات أطول، وغالبًا ما تكون محمَّلة بالرمال والأتربة، وتحمِل كلَّ ما يمكن تحريكه فضلاً عن اقتلاعها الأشجار في بعض الأحيان، كما قد تؤدِّي إلى اضطرابٍ في عملية سقوط الأمطار وكمِّيتها.

 لكن يغلب على المدينة اعتدالُ المناخ، يقول "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم": "بيت المقدس ليس في مدائن الكور أكبر منها، وقصبات كثيرة أصغر منها كإصطخر، وقاين، والفرما، لا شديدة البرد، وليس بها حر، وقلَّما يقع بها ثلج، وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء بها، فقلت: سجسج لا حر ولا برد شديد، قال: هذا صفة الجنة"[5].

 2 - الأمطار:

يبلغ المعدَّل السنوي للمطر في "القدس" نحو 551 مللم، ويسقط أعلى معدَّل شهري للأمطار في شهر يناير؛ حيث يصل إلى 635 مللم، أمَّا أقل معدل لسقوط الأمطار فهو في شهر مايو؛ حيث يبلغ المعدل نحو 2,7 مللم، ويتراوَح المعدَّل السنوي للمطر في سفوح الحضيض الغربية ما بين 450 - 500 مللم، ويهبط المعدل إلى ما بين 200 - 350 مللم في منطقة برية "القدس" في أعالي السفوح المطلَّة على غور الأردن، وهذه النسبة تكاد تكون قليلة بالنسبة لمتطلَّبات الزراعة، وترتفع معدَّلات البخر في المدينة إلى نحو 1600 مللم في فصل الصيف، وتهبط إلى نحو 550 مللم في فصل الشتاء، وبذلك تكون الموازنة المائية إيجابية في الشتاء؛ ممَّا يساعد على تكوين الجريان السطحي، والفيضانات في الأودية التي تتَّجه إلى البحر المتوسِّط لتصبَّ فيه، وكذلك في الأودية التي تتَّجه إلى غور الأردن، لكن الجريان السطحي لا يستمرُّ طيلة العام لارتفاع نفاذية الصخور الكلسية، وتسرُّب المياه عبرها لتغذية الخزانات الجوفية التي تنبثق عنها الينابيع سواء في سفوح الحضيض الغربية أو في سفوح وبطون الأودية الشرقية في البرية، ويتركَّز نحو 70% من المطر السنوي في "القدس" في فصل الشتاء الحقيقي (ديسمبر ويناير وفبراير)، ولا يزيد عدد الأيام الممطِرة عن 60 يومًا سنويًّا؛ ممَّا يؤكِّد طبيعة التركيز الواضحة في التوزيع المطري في "القدس"[6].

 ثالثًا: موارد المياه:

لا يوجد في المدينة أنهار كبيرة، وإن كانت تُحِيط بها مجموعة الآبار وعيون المياه التي لمياهها صلاحيةٌ للشرب، وتمثِّل عيون المياه والمطر موارِد المياه الأساسية للمدينة، والمدينة بوجهِ عامٍّ طيلةَ تاريخها تُعتَبر قليلة المطر، وتتضخَّم فيها مشكلة التزوُّد بالمياه لوقوعها على عددٍ من المرتفعات لا تتفجَّر بجوانبها الينابيع، وأقرب منبع لها هو عين "أم الدرج" بالقرب من "سلوان" جنوبي شرق "القدس"؛ ولذلك اعتمدت المدينة منذ تاريخها الأول على تخزين مياه الأمطار في بِرَك وآبار وعلى عددٍ من العيون الطبيعية والآبار القليلة؛ مثل "أم الدرج" وبئر "أيوب" و"البركة الحمراء".

 1 - "عين سلوان" - العين والقرية:

ذكَرَها "أبو العلاء المعري" في شعره قائلاً[7]:

 وبِعَيْنِ سُلْوَانَ الَّتِي فِي قُدْسِهَا      طَعْــــمٌ يُوَهِّـــــمُ أَنَّهُ مِـــنْ زَمـْــــــزَمِ 

وهي من أشهر عيون المياه التي تمدُّ مدينة "القدس" باحتياجاتها منها، وتُعرَف بالعديد من الأسماء منها: عين "جيحون"، وعين "أم الدرج"، وعين "العذراء"، وتقع العين على مسافة ثلاثمائة متر من الزاوية الجنوبية الشرقية للحرم، وقد ذكَرَها الرحَّالة كثيرًا في كتبهم منذ وقت مبكِّر من التاريخ، وذهب البعض إلى أن مياهها قادرة على شفاء الأمراض، وأنها قريبة في قدسيَّتها من مياه بئر "زمزم"، وقد قام الخليفة "عثمان بن عفان" - رضي الله عنه - بوقف مياه العين على فقراء مدينة "القدس"، ويُقال: إنها أيضًا وقف لأحد خلفاء بني أمية، وقد أعطى الصليبيون أهمية خاصة لعين الماء هذه خلال فترة احتلالهم للمدينة (1099 - 1187م)؛ لاعتقادهم أن السيدة "مريم العذراء" قد قامت بغسل ملابس السيد "المسيح" - عليه السلام – فيها وهو صغير.

 وقد أطلق المقدسيُّون على عين المياه هذه اسم "عين أم الدرج"؛ لأن الوصول إليها يتمُّ عن طريق درج أو سلم، أمَّا مدينة "سلوان" نفسها فهي قرية فلسطينية شهيرة كانت تتبع "القدس" قديمًا، إلاَّ أن الإسرائيليين قاموا بعد حرب يونيو من العام 1967م بضمِّها بشكل كامل إداريًّا وبلديًّا إلى "القدس"، فأصبحت إحدى أحياء المدينة، وتقع "سلوان" جنوب سور الحرم القدسي الشريف، وسميت بهذا الاسم نسبةً إلى مجموعةٍ من عيون المياه، والتي يُقال عنها: أن "المسيح" - عليه السلام - أمَر رجلاً أعمى أن يغتسل فيها ليبرأ، ففعل الرجل فعاد إليه بصره، وبالإضافة إلى عيون "سلوان" وعين "أم الدرج" هناك بئر "أيوب"، والتي يُقال: أن الذي قام بحفرها هو نبي الله "أيوب" - عليه السلام - وجدَّد بناءها "صلاح الدين الأيوبي"، وتشتهر قرية "سلوان" بزراعة الزيتون، وينحدِر سكانها العرب من أصول مصرية وأردنية وحجازية، ومن أشهر عائلاتها "أبو خاطر" و"أبو عليان" و"طوقان" و"العباسي".

 2 - بِرَك "سليمان" أو سبيل "بركة السلطان":

وتُنسَب إلى السلطان العثماني "سليمان القانوني"، فقد أُنشِئت في عهده في عام 943هـ؛ أي: تقريبًا في عام 1526م؛ وذلك لسقاية المارِّين به، والسبيل له واجهة حجرية ذات شكلٍ مستطيل وفي أسفلها صنبور مياه، وظلَّت القدس تستقِي الماء عن طريق بِرَك سليمان حتى عام 1926م، ولمَّا كَثُرَ عدد السكَّان راحت الحكومة تبحث عن ينابيع جديدة، ووجدت ضالَّتها في (عين فارة) على بعد 14كم من القدس إلى الشمال الشرقي[8].

 3 - نهر "جيحون":

مجرى مائي يوجد في وادي "جهنم" أو وادي "قدرون" بمدينة "القدس"، وهو الوادي نفسه الذي توجد به عين "سلوان"، وتسقي مياه هذا النهير الصغير مع مياه العين أرضًا هي من أخصب أراضي فلسطين.

 4 - عين "العذراء":

هي نبع ماء قديم يقع في وادي "ستنا مريم" في شرق مدينة "القدس"، ووَرَد ذكره في التوراة باسم "جيحون" - بخلاف نهير "جيحون" سالف الذكر - ويعرف اليوم باسم عين "العذراء"، ومنه نشَأَت عين "سلوان"، ولعل هذه العين - عين "العذراء" - هي السبب في نشأة مدينة "القدس" في مكانها الحالي.

 5 - عين "اللوزة":

على بعد خمسمائة متر من بئر أيوب إلى الجنوب.

 6 - جدول "عين كارم":

يبدأ في جبال "القدس" عند قرية "عين كارم"، ويسير من الاتجاه القادِم من جنوبي غربي المدينة، وحتى أودية المدينة ذاتها من جهة الغرب.

 وهنالك البركة التحتانية إلى الجنوب الشرقي من بركة سلوان، ويسمونها البركة الحمراء، وتعتبر البِرَك المنزلية من أهم مصادر تموين سكان "القدس" باحتياجاتهم من المياه، وهي عبارة عن خزانات أو صهاريج أرضية تُسَاق إليها المياه لخزنها، وإلى جوار البِرَك المنزلية والعيون والآبار هناك بِرَك عامة ظلَّت كمعالم حضارية للمدينة لآلاف السنين مثل: بركة "ماملا"، وبركة "السلطان"، وبركة "حزقيا"، وبركة "إسرائيل"[9].

 كذلك هناك مجموعة من العيون في مجموعةٍ من الأودية المختلفة مثل وادي "العروب"، وهو واقع بين الخليل والقدس، وعلى بعد 22كم من القدس، وينبع الماء فيه من عِدَّة عيون أهمها:

(1) فريديس.

(2) عد المزرعة.

(3) الفوار.

(4) عين البص.

(5) عين البرادة.

(6) عين الدلبة.

(7) عين قوزيبا.

 وهناك وادي "البيار"، عند الكيلو 18 على طريق الخليل، وينبع فيه خمسة ينابيع هي:

(1) رجم السبيط.

(2) رأس العد.

(3) عين فاغور.

(4) خربة القط.

(5) عين العصافير.

 وهناك وادي "البالوع"، وهو في السهل الواقع شرقي الخضر عند الكيلو 13 على طريق الخليل؛ إذ تتفجَّر عيون المياه وتصبُّ في بِرَك "سيلمان"، أمَّا عين "عطافي" فتسيل رأسًا في قناة سبيل "السلطان سليمان القانوني".

 وطيلة التاريخ حاوَل سكَّان "القدس" التغلُّب على مشكلة قلَّة موارد المياه وندرتها، وحينما احتلَّ الرومان المدينة قبل ميلاد "المسيح" - عليه السلام - فكَّروا في إمدادها بماء عيون وادي "العروب"، ومن أجل ذلك أنشؤوا قنوات مائية شُيِّدت في الصخر، وذلك أيام الإمبراطور "هيرودوس" الكبير (30 ق.م)، وقد استمرَّ استعمال هذه القنوات على يد العرب والمماليك والأتراك في العهد الإسلامي، حيث اهتمَّ المسلمون بمسألة تزويد المدينة بالمياه.

 أمَّا في عهد الانتداب البريطاني على المدينة (1917 - 1948م)، فقام الإنجليز بجلب مياه "العروب" إلى المدينة في أنابيب حديدية، وظلَّت "القدس" تحصل على مياهها أيضًا من بركة "سليمان" حتى عام 1926م، بعدها سحب الماء من عين "فارة" على بعد 14 كيلومترا شمال شرقي المدينة، وفي عام 1931م أخذت المدينة تتزوَّد بالمياه من عين "الغوار" على بعد 6كيلومتر من "فارة" إلى الشرق، وعين "القلط" في وادي "العروب" نفسه، وقد بلغ معدل تصريفه عام 1934م نحو 6 ملايين متر مكعب.

 وفي عام 1935م تحوَّلت المدينة إلى التزوُّد بالمياه من نبع "ريش"، وهو رأس النبع على بعد 50 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من مدينة "القدس"، وقد بلغ معدَّل تصريفه اليومي عام 1945م نحو 1,7 مليار جالون، واستمرَّ هذا الوضع حتى عام 1948م عندما أغلق الأنبوب وحرمت المدينة من هذا المصدر المائي المهم، فزودت بالمياه من برك "سليمان" وعين "فارة" مرَّة أخرى، وبعد تقسيم المدينة في حرب 1948م ربطت "القدس" المحتلَّة بشبكة المياه الإسرائيلية بأنبوبين، وبعد ضمِّ "القدس الشرقية" في أعقاب عدوان يونيو 1967م قاموا بحفر نحو تسع آبار لتزويد المستوطنات اليهودية المحيطة بـ"القدس العربية" بالمياه، ثم جرى ربط "القدس العربية" بشبكة المياه الإسرائيلية[10].

 رابعًا: طبيعة التربة والنبات الطبيعي في "القدس":

تتبايَن التربة وخصائصها في منطقة "القدس" حسب الصخر الأصلي الذي اشتقَّت منه؛ فحيث يَسُود الكلس ترتفع مركَّبات كربونات الكالسيوم في التربة، وحيث يسود الدولومايت ترتفع مركَّبات الماغنسيوم، إضافة إلى كربونات الكالسيوم في التربة، وتشكِّل السيليكا حوالي 50% من مكوِّنات التربة في منطقة "القدس" ومن 10 - 15% من الحديد والألمنيوم، ويعطِي الحديد التربة لونها الأحمر، وتذوب مركَّبات الكالسيوم في مياه الأمطار متَّجهة إلى السفوح الدنيا أو تتسرَّب مع المياه في الشقوق، وتبقى موادُّ السيليكا والحديد والألمنيوم، وتتجمَّع على شكل موادِّ صخرية للتحوُّل إلى تربة حيَّة لاحقًا.

 وتَسُود تربة "الرندزينا" (Rendzina) ذات اللون الكستنائي (اللون البني المصفر، أو الأبيض الرمادي) على سفوح الحضيض الغربية حيث تظهر الصخور الطباشيرية، وتُعَدُّ هذه التربة غنيَّة بالكالسيوم والمواد العضوية؛ لذلك فهي خصبة الحراثة.

 ونظرًا لقلَّة تعرُّضِها على سفوح الحضيض لعمليَّات التعرِيَة المائيَّة والانجراف فإنها سميكة نسبيًّا، وتغلب الأراضي الحجرية على تربة برية "القدس" وسفوح الحافَّات الصدعية؛ لذلك تُستَغلُّ هذه الأراضي في الرعي منذ عهود بعيدة.

 أمَّا النباتات الطبيعية في منطقة "القدس"، فتُعَدُّ نموذجًا لمنطقة البحر المتوسط بأشجارها دائمة الخضرة كالبلوط؛ وذلك حيث ترتفع مناسيب الأرض عن 300 متر فوق سطح البحر، وفي الأرض التي يقلُّ منسوبها عن ذلك مثل سفوح الحضيض أو برية "القدس"، فتَسُود أشجار الخرُّوب والنباتات الشوكية والشجيرات الكثيفة[11].

 خامسًا: الزراعة والمنتجات الزراعية في "القدس":

قد يصل معدَّل السقوط المطري على مدينة "القدس" في بعض الأحيان إلى نحو 600 مللم، موزَّعة على موسم الشتاء الحقيقي الذي تمرُّ به المدينة (ديسمبر/ فبراير)، والكثير من الأودية والتلال والقرى التي تتخلَّلها موارد المياه يسَّرت ظهور مناطق الزراعة التي وفَّرت للسكان حاجاتهم من الحبوب والفواكه والخضروات، ومن تلك المناطق تلك المنطقة المحيطة بقرية "سلوان"، حيث بركة أو عيون "سلوان"، وعين "أم الدرج" أسفل سفح جبل "صهيون" في وادي "جهنم"؛ إذ تقوم على البركة وعلى المجرى المائي لنهر "جيحون"، في نفس الوادي الكثير من الزراعات، فهذه المنطقة - كما سبق القول - هي من أخصب أراضي فلسطين، وقد تُزرَع أربع مرات سنويًّا لتوافر المياه الضرورية للزراعة والري، إضافةً إلى حقول القمح التي كان الحجاج النصارى يقتاتون عليه بمساعدة مزارع الشعير، كما كانت عامرة ببساتين الفاكهة قديمًا (التين والعنب والجوز والموز).

 والقرى الواقعة حول "القدس" لديها ما يكفي من موارد المياه لحاجاتها من الزراعة؛ فهناك عين ماء "العذراء" في وادي "جهنم" أو "قدرون"، والتي تدعى بئر "أيوب" وعين "أم الدرج" أو بئر "مريم"، كذلك هناك عين "اللوزة"، بالإضافة إلى مياه الأمطار، كما أن في المسافة بين "القدس" و"الخليل" مجموعة من القرى فيها الكثير من الأشجار البرية والحدائق والبساتين مزروعة بفواكه كالتين والعنب والزيتون.

 وقد ينبت على التلال المحيطة بمدينة "القدس" وبخاصَّة على السفوح والمنحدرات حشائش وأعشاب تصلح لرعي الحيوانات؛ ولكن أساس هذه المناطق هي أراضي وأقاليم زراعية شديدة الأهمية اشتهرت بأسماء المحاصيل التي تُزرَع بها، ومن بينها "تل الفول" الذي يبعد نحو 5كيلومترات عن بوابة "دمشق" - إحدى بوابات "القدس" - وإلى الشمال منها من جهة الطريق إلى نابلس.

 ويلفت الأنظار كثرة المناطق المزروعة بالزيتون في الجبال المحيطة بالمدينة وبخاصة جبل "الزيتون"، ومن بين الأشجار القديمة والمثمرة في "القدس": أشجار الكروم التي تُزرَع على امتداد الأراضي الممتدَّة على الجبال والتلال، على امتداد الوادي المتَّجِه إلى مدينة "الخليل"، وبكثرة أقل تُوجَد أشجار التين والتفاح والمشمش والرمان والموالح، وبخاصة البرتقال والليمون الحلو، بجانب الخروب والفستق والموز، بالإضافة إلى نخيل البلح.

 وعرفت "القدس" في المناطق التي تعرف وفرة في مياه الري زراعات كثيفة المياه؛ مثل القطن وقصب السكر والفول والبصل والكرنب وبعض الخضروات[12].

سادسًا: الجغرافيا الطبيعية لمدينة "القدس":

تعني الجغرافيا الطبيعية لأيَّة مدينة ما تحتوي عليه من ظواهر طبيعية؛ مثل: الجبال، والوديان، والتلال، وغير ذلك من التكوينات التي نشَأَت بفعل عوامل الجيولوجية، ولا دخل للإنسان، أو النشاط البشري العادي، أو غير العادي فيه.

 وبالنسبة للقدس، فإن هناك ثلاث ظواهر طبيعية أساسية تميِّزها بخلاف عيون المياه التي سبق ذكرها، وهي: الجبال، والتلال، والوديان، ونعرض لها جميعا فيما يلي:

1 - جبال "القدس" وما حولها:

أُقِيمت مدينة "القدس" على أربعة جبال هي: جبل "الموريا"، وجبل "صِهْيَوْن"، وجبل "أكرا"، وجبل "بزيتا"، وهي ليست إلا آكامًا مستديرة على هضبة عظيمة بينها أودية جافَّة أكثر أيام السنة، ثم يُحِيط بهذه الجبال الأربعة عِدَّة جبال أخرى من أهمها: جبل "الزيتون"، وجبل "رأس المشارف"، وجبل "السناسية"، وجبل "المنظار"، وجبل "النبي صموئيل"، وجبل "أبو عمار"، وجبل "المكبر"، وجبل "بطن الهوا"، ونستعرِضها كما يلي:

(أ) جبل "الموريا" (جبل "بيت المقدس"): هو الجبل الذي بنى عليه العرب اليبوسيون مدينة "القدس" أوَّل مرَّة، ويُعرَف باسم هضبة الحرم؛ إذ يحتضن الحرم القدسي الشريف بمساجده، ومواقعه التاريخية، وكلمة "الموريا" تعني: "المختار" في اللغة العبرية القديمة، وقد ورد اسم "موريا" في سِفْرِ "التكوين" من التوراة في الإصحاح "22" الآية الثانية في قصة الذبيح، وإن كان اليهود على خلافٍ في موضع هذه القصة؛ فاليهود "السامرا" يرون أن الحادثة كانت على جبل "جرزيم" بالقرب من "نابلس"، حيث قام أقدم هيكل لبني إسرائيل وقد أبطَلَه نبي الله "داود" - عليه السلام - بعد أن نقل عاصمته إلى "القدس"، أمَّا سائر الطوائف اليهودية الأخرى فتزعم أن هذه الحادثة كانت على جبل "موريا"، وعلى الصخرة الشريفة على وجه التحديد، ويبلغ ارتفاع هذا الجبل حوالي "2440" قدمًا، وقد أسماه المؤرِّخ اليهودي "يوسيفوسيس" بالمدينة العليا في مقابل المدينة السفلى التي هي القسم الجنوبي من الهضبة الشرقية لمنطقة "القدس" في موضع "حصن صهيون".

 (ب) جبل "صهيون": وهو جبل يقع في الجنوب الغربي من مدينة "القدس"، أقام عليه العرب اليبوسيون حصنهم الذي بقي في أيديهم حتى سيطر عليه نبي الله "داود" - عليه السلام - وسمَّاه "مدينة داود" ونقل إليه مقرَّ حكمه، وذلك في السنة الثامنة من ملكه، وقد أطلق اسم "صهيون" على المدينة في فترةٍ من الفترات، وتعني كلمة "صهيون": (المشمس أو الجاف) في اللغة العبرية، وكان هذا الجبل يُعرَف باسم "الأكمه"، أو "أوفل" طبقًا لما جاء في عددٍ من أسفار التوراة ومن بينها "الملوك الثاني" (5/24)، و"الأخبار الثاني" (27/3)، و(33/14)، و"أشعيا" (32/14)، و"ميخا" (4/8)، وفي موضع حصن "صهيون" أنشأ السلوقيون في عهد الملك اليوناني السلوقي "إنتيخوس الرابع" أو "أبيفانوس" الذي حكم الشام من سنة (175) إلى سنة (164 ق.م) قلعة عُرِفت باسم "أكرا"، ويبلغ ارتفاع جبل صهيون (2550) قدمًا فوق سطح البحر، وينحدر باتِّجاه وادي "قدرون".

 (جـ) جبل "أكرا": هو أحد جبال "القدس" الأربعة، ويقع إلى الشمال الشرقي من جبل "صهيون"؛ أي: إن "أكرا" يقع بدوره في الجنوب الغربي من المدينة إلى الداخل أو نحو المدينة ذاتها، ويفصِل بذلك بين جبل "صهيون" وبين "القدس"، وعلى جبل "أكرا" تقوم كنيسة القيامة، التي هي أقدس بقاع الأرض بالنسبة للطوائف النصرانية كافَّة.

 (د) جبل "بزيتا": وهو أحد جبال "القدس"، ويقع بالقرب من باب "الساهرة" أحد أبواب المدينة، والذي بُنِي إبَّان حكم السلطان العثماني "سليمان القانوني"، ويُعرَف الآن باسم باب "هيرودوس"، ويقع في الجانب الشمالي من سور المدينة المقدسة، ويعتبر امتدادًا بشكلٍ أو بآخر لجبل "صهيون"؛ حيث أطلق "أبيفانوس" على قلعته في جبل "صهيون" اسم "أكرا"، والتي أخذ هذا الجبل اسمه عنها.

 (هـ) جبل "الزيتون" (أو جبل "الطور"): هو جبل يشرف على مدينة "القدس" بشطريها القديم والحديث، ويرتفع عن سطح البحر بمقدار (826) مترًا، وتقع أسوار الحرم القدسي الشريف في مواجهته من الشرق، ويفصله عن "القدس" وادي "قدرون"، ويسمِّي العرب هذا الجبل باسمٍ آخر هو جبل "الطور"، واسمه الأول مأخوذ من شجر الزيتون الموجود عليه بكثرة، واشتهر عند اليهود باسم جبل "المسح" أو جبل "التتويج"؛ حيث يعتقدون أن الزيت المقدس الذي كان يتمُّ به تتويج ملوكهم كان مستخلصًا من زيتونه، كما كانوا يحرِقون عليه بقرة القربان الحمراء ويستخدمون رمادها في تطهير الهيكل إذا ما دنَّسه شيءٌ، وفوق هذا الجبل تقع مدينة تسمَّى بمدينة "الطور"، ويُقال: إن نبي الله "عيسى ابن مريم" - عليه السلام - كان يلجَأ إليه هربًا من أذى اليهود، وأنه - عليه السلام - رُفِع من فوقه إلى السماوات السبع، وقد حطَّت معظم الجيوش التي أتَتْ إلى فتح المدينة عبر التاريخ فوق هذا الجبل، فداود عندما غادَر "أورسالم" بسبب الثورة التي أوقد نارها ابنه "أبشالوم" (1049 ق.م) أمَّ جبل الزيتون، وكذلك فعَل السيد المسيح (30م) كان كثيرًا ما يتردَّد إلى هذا الجبل ومنه رُفِع إلى السماء، ولقد عسكرت جيوش المسلمين فيه على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (636م)، وعلى عهد صلاح الدين (1187م) ويوجد فيه مدافن شهداء المسلمين وأعلامهم منذ عهد سيدنا "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - ويُقال: إن به مقبرة "رابعة العدوية".

 (و) جبل "رأس المشارف": هو جبل يقع شمال مدينة "القدس"، وسمي بهذا الاسم لإشرافه عليها حيث يشرف على طريق "القدس - رام الله"، وهو امتداد طبيعي لجبل "الزيتون" من جهة الشمال الشرقي وحتى الشمال، ويفصل بينهما منخفض يسمى بـ"عقبة صوان"، ويفصل "وادي الجوز" بين "جبل المشارف" ومدينة "القدس"، ويبتدئ هذا الجبل من شمالي "شعفاط" وينتهي بجبل "الزيتون"، ويرتفع عن سطح البحر بنحو (850) مترًا، ويسمى كذلك هذا الجبل بجبل "المشهد" وجبل "الصوانة"، وقد أقام القائد الروماني "تيطس" عام (70م) معسكره عليه عندما قام بغزو "القدس"، حيث قام بهدم الهيكل السليماني الثاني وتدمير المدينة المقدسة تمامًا، كما أقام الصليبيون عام (1099م) تقريبًا معسكراتهم عليه بعد غزو المدينة، ويُطلِق الأوروبيون على هذا الجبل اسم "سكوبوس" وتعني باليونانية: "الملاحظ أو المراقب"، بينما يسمِّيه اليهود "هار هاتسوفيم"، وهي ترجمة عبرية لاسمه باللغة العربية "المراقبون"، وقد أقام عليه اليهود "الجامعة العبرية" عام (1925م)، والمستشفى اليهودي المعروف بهداسا، ومقبرة أقامها الإنجليز لموتاهم الذين لاقوا حتفهم في معارك بيت المقدس أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)[13].

 (ز) جبل "السناسية": يقع إلى الجنوب الغربي من قرية "وادي فوكين"، ويبلغ ارتفاعه نحو (735) مترًا فوق سطح البحر.

 (ح) جبل "المنظار": وهو أحد جبال "القدس"، ويقع جنوبي شرق المدينة عند دائرة عرض 31 درجة، و44 دقيقة، بارتفاع (524) مترًا عن سطح البحر.

 (ط) جبل "النبي صموئيل": وهو جبل يقع على بعد (5) أميال شمالي غرب "القدس"، ويبلغ ارتفاعه (885) مترًا، وتقع قرية "الجيب" في شماله، وهو أعلى القمم الجبلية الموجودة بالقرب من بيت المقدس، وينسب إلى القاضي "صموئيل" أحد قضاة بني إسرائيل ممَّن حكموهم في عصر القضاة في القرن السابع قبل الميلاد.

 (ي) جبل "أبو عمار": من جبال "القدس" ويبلغ ارتفاعه نحو (773) مترًا فوق سطح البحر، عند دائرة عرض 31 درجة، و44 دقيقة، وخط طول 35 درجة، و50 دقيقة.

 (ك) جبل "المكبر": وهو أحد جبال بيت المقدس الشهيرة، وله ذكرى مهمَّة لدى المسلمين؛ حيث صعد إليه أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - وهو في طريقه إلى تسلُّم مفاتيح "القدس" من الأنبا "صفرونيوس"، وكان مع عمر مجموعة من الصحابة وأشراف المسلمين، وقد وقف الخليفة "عمر بن الخطاب" على الجبل ليؤذِّن، ومن هنا جاء اسم الجبل "المكبر".

 (ل) جبل "بطن الهوا": وهو امتداد لـ"جبل الزيتون"، ويقع في الزاوية الشرقية للقدس؛ حيث يفصله عنها وادي سلوان الذي يتَّصل بوادي قدرون في النقطة نفسها، ويُعرَف عند اليهود باسم "هار هامشحيت" أو "الجبل الفاضح".

 2 - تلال "القدس" وما حولها:

هناك مجموعة من التِّلاَل متوسِّطة الارتفاعات التي تقع بداخل وحول المدينة، ومن أهمها: تل "الغول"، وتل "الكابوس"، وتل "النصبة"، وتل "القرين"، وتل "صرعة"، وتل "شلتا"، ونستعرضها كما يلي:

أ - تل "الغول": من تلال المدينة ذاتها ويقع على بعد 6 كيلومتر إلى الشمال من مدينة "القدس"، ويبلغ ارتفاعه عن البحر نحو 839 مترًا، وكانت تقوم عليه مدينة عربيَّة كنعانيَّة قديمًا.

 ب - تل "الكابوس": ويقع على بعد نحو 8 كيلومترات شمال شرقي مدينة "القدس" عند دائرة عرض 31 درجة، 49 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 18 دقيقة.

 ج - تل "النصبة": ويقع على بعد كيلومترين جنوبي مدينة "البيرة" التابِعة لقضاء "القدس" عند دائرة عرض 31 درجة، 53 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 12 دقيقة، وقديمًا كانت تقع عليه مدينة "الصفاة" العربيَّة الكنعانيَّة.

د - تل "صرعة": من تلال المدينة، ويقع غربي جبال "القدس" عند قرية "صرعة"، وإلى الشمال من قرية "دير رافات"، وإلى غرب قرية "عرطوف" عند دائرة عرض 31 درجة، 47 دقيقة، وخط طول 34 درجة، 59 دقيقة.

 هـ - تل "شلتا": وهو تلٌّ مُقدَّس يقع في جبال "القدس" غربي قرية "بلعين" بالقرب من قرية "شلتا" عند دائرة عرض 31 درجة، 55 دقيقة، وخط طول 35 درجة، ودقيقة واحدة.

 3 - أودية "القدس" وما حولها:

هناك عددٌ كبير من الأدوية التي تُوجَد في منطقة "القدس" وحول المدينة؛ وأهمها: وادي "جهنم"، ووادي "الجوز"، ووادي "الجبانة"، ووادي "الأرواح"، والوادي "الكبير"، ووادي "القلط"، ووادي "مكلك"، ووادي "مقطع الجص"، ووادي "النار"، ووادي "التعامرة"، ووادي "زيتا"، ووادي "الصرار"، ووادي "هنوم"، ووادي "قدرون"، ونستعرضها كما يلي:

1 - وادي "الصرار": ويسمَّى أيضًا بوادي "روبين"، ويمتدُّ بين منطقة "القدس" شرقًا ويافا غربًا، ويربط جبال "القدس" بالسهل الساحلي ووادي "الصرار"، يحمل هذا الاسم حتى يصل إلى قريتي "المغار" و"قطرة"، فيحمل هناك اسم وادي "قطرة"، وبعد منطقة "تل السلطان" يُعرَف باسم نهر "روبين"، ويبلغ طول الوادي حتى آخره نحو 76 كيلومترًا.

 2 - وادي "جهنم"، أو وادي "قدرون" أو "الوادي الشرقي": يبدأ هذا الوادي على بعد ميل ونصف الميل إلى الشمال الغربي من المدينة - 2500 متر - حيث يسير أولاً على الشرق حتى يصل إلى الزاوية الشماليَّة الشرقيَّة من سور المدينة، ثم ينحرِف بعد ذلك بميلٍ حادٍّ تجاه الجنوب، فينحدِر بين سور المدينة من الجانب الغربي وبين جبل "الزيتون"، وتل "الزيتون"، وتل "المعصية" من الجانب الشرقي حتى يلتقي مع وادي "هنوم" المنحدر من الغرب بعدها ينحدر المجرى الموحد على "مارسابا" المسمَّى بوادي "الراهب"، ثم يمتدُّ إلى البحر الميِّت حيث يسمَّى بوادي "النار"، وكان يُعرَف قديمًا باسم "الوادي الأسود"، كما كان يُسمَّى بوادي "يهوشفاط"، ويبلغ طول هذا الوادي نحو كيلومترين، ويبلغ ارتفاعه فوق سطح البحر حوالي (2179) قدمًا، ويُقال: إن نبي الله - تعالى - عيسى ابن مريم - عليه السلام - رُفِعَ منه، وفيه مُصلَّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقبور الأنبياء، و"قدرون" اسمه القديم، وأسماه العرب أيضًا وادي "النار"، ووادي "سلوان".

 3 - وادي "هنوم"، أو "الوادي الغربي": ينحدِر رأسًا إلى الجنوب من شمال غربي المدينة، ثم ينعطِف شرقًا بعد وصوله إلى حدِّ المدينة الجنوبي حتى يتَّصل بـ"الوادي الشرقي" (قدرون) عند الموضع المعروف باسم "بئر أيوب"، ويُسمَّى هذا الوادي أيضًا بوادي "السلوان"، حيث اسم النبع الموجودة فيه، كما يُعرَف كذلك بوادي "بني هنوم"؛ نسبةً إلى قبيلة كان يُسمَّى بها الوادي قبل وجود بني إسرائيل على نحو ما ورد في العهد القديم في أسفار "يشوع"، و"نحميا"، و"الملوك الثاني"، وغير ذلك، كما كان الجزء الجنوبي الشرقي من هذا الوادي يُسمَّى "توفة"، أو "وادي القتل"، كما ورَد في التوراة عنه، ويصل ارتفاع هذا الوادي إلى ما يَقرب من (2099) قدمًا فوق سطح البحر.

 4 - وادي "الجبانين" أو "الجبانة" - صانعي الجبن -: يمتدُّ هذا الوادي من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي من مدينة "القدس"، حيث يتَّصل بوادي "سلوان" الذي يتَّصل بوادي "قدرون" شرقًا، ويقسم هذا الوادي المدينة إلى قسمين مؤلَّفين من هضبتين مستطيلتين: الغربيَّة يحدُّها وادي "هانوم" من الغرب، والشرقيَّة يحدُّها وادي "قدرون" من الشرق، ويُسمَّى وادي "الجبانة" في الجزء الجنوبي الغربي من "القدس" بوادي "الزبالة"، وهذا الوادي مطمورٌ الآن، كما رُدِمَ جزءٌ منه في أعمال توسِعَة لجبل "صهيون"، وللحرم القدسي الشريف الواقع على جبل "الموريا" أو "هضبة الحرم الشريف".

 5 - وادي "الأرواح"، ويُعرَف أيضًا بوادي "العفاريت": ويلتفُّ هذا الوادي حول جبل "صِهْيَون" من الغرب وحتى أقصى الجنوب، وتوجد به مدافن الموتى، وقد ورَد هذا الوادي في سفر "يشوع 15/ 8" باسم وادي "الرفائيم"؛ أي: وادي "العفاريت" باللغة العبريَّة.

 6 - وادي "الجوز": ويُطلَق عليه أحيانًا اسم "الوادي الشرقي" أيضًا؛ لأنه يبدأ شرقي مدينة "القدس"، ثم يتَّجه جنوبًا حتى ينتهي بوادي "قدرون" الذي يصبُّ في البحر الميِّت - كما سبق الإشارة - عند دائرة عرض 31 درجة، 42 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 20دقيقة، وهو يفصل بين سور المدينة الشرقي، وبين جبل "الزيتون" وجبل "بطن الهوا"، ويبلغ طول الوادي كيلومترين، وهو عميق سريع الانحدار.

7 - "الوادي الكبير": ويبدأ من شمال "اللطرون" في جبال "القدس"، ثم يتَّجه إلى الشمال الغربي مارًّا بشمال "اللدِّ"، ثم يلتقِي بنهر "العوجا" عند حريسة.

 8 - وادي "القلط": يبدأ شمال شرقي "القدس" على قرب من قرية "العيسوية"، ثم يتَّجه إلى الشمال الشرقي مارًّا بمدينة "أريحا"، ثم يصبُّ في نهر الأردن شرقي "عين حجلا" عند دائرة عرض 31 درجة، 49,5 دقيقة.

 9 - وادي "مكلك": يبدأ شرقي "القدس"، ثم يتَّجه شرقًا، حيث يصبُّ في شمال البحر الميِّت بالقرب من قرية "كاليا" عند دائرة عرض 31 درجة، 43 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 25 دقيقة.

 10 - وادي "مقطع الجص": يبدأ عند قرية "بيت فجان" من قضاء "القدس"، ثم يتَّجه إلى الجنوب الشرقي حتى يتَّصل بوادي "المشاش"، ويصبَّان معًا تحت اسم "درجة" في الشاطئ الغربي للبحر الميِّت عند دائرة عرض 31 درجة، 34 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 24 دقيقة.

 11 - وادي "التعامرة": يبدأ في جبال "القدس" إلى الجنوب الشرقي عند "المشاش" عند دائرة عرض 31 درجة، 37 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 20 دقيقة.

 12 - وادي "زيتا": ويبدأ غربي جبال "القدس" شرقي "بيت جبرين"، ثم يتَّجه إلى الشمال الغربي، ثم يلتقي بوادي "صفرين" أو "لخيش" عند دائرة عرض 31 درجة، 42 دقيقة، وخط طول 34 درجة، 41 دقيقة[14].

 وبعد هذه الجولة السياحيَّة في طبيعة القدس الجغرافيَّة؛ حيث استعرضنا الموقع والمناخ، وموارد المياه، والتربة، والمنتجات الزراعيَّة، والتضاريس - يمكننا استنباط بعض النتائج والملاحظات الآتية:

أولاً: أن القدس تتمتَّع بموقع متميِّز فريد جعَلَها مطمعًا للغُزَاة عَبر العصور والقرون، فهذا الموقع أهَّلَهَا لأن تصبح المدينة المركزيَّة في فلسطين، وعقد اتِّصال في بلاد الشام، وإذا كانت فلسطين عقدة الاتِّصال بين المشرق العربي ومغربه، والمَعْبَر البري الأساس بين الشرق والغرب، فإن مدينة القدس تمثِّل البؤرة التي تتجمَّع عندها أو بالقرب منها خطوط الاتِّصال بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

 ثانيًا: أنَّ ما قاله "سميث" [15](Smith)، و"كارمون" ([16]Karmon) من أنَّ القدس لا تحظى بموقع جغرافي يؤهِّلها للمكانة المرموقة التي احتلَّتْها عبر التاريخ ولا تزال، وأنها تقوم على شبه فراغ مادي - جغرافي - استعاضَتْ عنه بمنزلتها الروحيَّة التي جذبت الناس إليها؛ حتى أصبح الحجيج والسياحة أهم مواردها، وأن البيئة الجغرافيَّة المتواضِعَة للمدينة المقدَّسة ما هي إلا تَكرار للبيئة الجغرافيَّة لمدينة مكة المكرمة، كل هذه الأقاويل من المغالطات الجغرافيَّة التي تريد أن تقلِّل من شأن أقدس مدينتين عربيَّتين وإسلاميَّتين: القدس ومكة، ولا شكَّ أن هذه المغالطات ليست إلا جزءًا من "الجيوبولتيكيَّة المزيَّفة" التي صوَّرت أقدس المواقع العربيَّة والإسلاميَّة وكأنها أراضٍ جرداء لم يكن لها قيمة عَبر التاريخ[17].

 ثالثًا: لاحظنا من خلال هذه الدراسة كثرة التلال والجبال، وأيضًا كثرة الوديان المترتِّبة عليها، ولعلَّ في هذه الجبال الكثيرة الموجودة في القدس أو التي أُنشِئت عليها "القدس" منذ عهودها الأولى في العصر البرونزي، أقول: لعلَّ في هذه الجبال يَكمُن سرُّ البركة التي حبا الله بها هذه الأرض المقدَّسة، والتي أشار إليها القرآن في قوله - تعالى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

ففي الجبال تَكمُن عناصر الخصوبة للتربة؛ حيث يوجد الفوسفات والحديد والخارصين والكربون والكالسيوم والماغنيسيوم، وغيرها من العناصر التي يتركَّب منها جسم الإنسان، والتي يحصل على الفاقد منها عن طريق الخضروات والفاكهة، والمحاصيل الزراعيَّة الأخرى.

إنَّ المطر عندما ينهمِر على ذُرَى الجبال والتِّلاَل والآكَام يجرِف معه إلى الأودية المنحدرة تلك العناصر اللازمة لخصوبة التربة، فتستقر في الأودية فتُؤتِي أطايب الثمار، وأبهج الزروع، وأنضر الخضروات، وقد لفت القرآن الكريم انتباهنا إلى هذه الحقيقة العلميَّة في إشارة لطيفة في قوله - سبحانه -: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ [فصلت: 10].

 فكلمة ﴿ فيها ﴾ الأولى الضمير عائد إلى الأرض؛ حيث جعل الله في الأرض الجبال، أمَّا الضمير في الثانية ﴿ وبارك فيها ﴾، والثالثة ﴿ وقدر فيها ﴾، فيعود إلى الجبال؛ أي: إن الله - سبحانه - قد بارَك في الجبال، ﴿ وقدَّر فيها﴾؛ أي: الجبال، ﴿ أقواتها ﴾؛ أي: أقوات الأرض وأرزاقها، فكثرة الجبال سرٌّ من أسرار البركة في هذا الموضع المبارك.

 رابعًا: لما كانت هذه المدينة المقدَّسَة مطمع الغزاة عبر العصور المختلفة؛ لما تتمتَّع به من موقع فريد، وبركة حسيَّة ومعنويَّة، فإن الله حبَاها بهذه التضاريس وتلك الجبال لتحمي المدينة من الاندثار كما اندثَرَتْ مدن وقلاع عتيدة في التاريخ، وسنَعرِف في الفصول التالية أن هذه المدينة قد تعرَّضت للتدمير والإبادة أكثر من مرَّة في التاريخ، فالله - سبحانه وتعالى - قد حفِظَها على هذه الربوة المرتفِعَة وأحاطَها بتلك الجبال التي تتحدَّى الفناء وتتحدَّى السقوط والاستسلام، ومن ثَمَّ كانت الحكمة من هذا التشكيل الجغرافي والبناء الطبيعي الذي يتناسَب وشموخَ هذه المدينة وقدسيَّتَها عبر التاريخ والعصور.

خامسًا: لما كانت القدس أكثر المدن فرادةً في العالم؛ حيث تتميَّز بشخصية واضحة المعالم، فقد كيَّفَتْ نفسها مع هذه المؤثِّرات الخارجية ومزَجَتْ بينها وبين طبيعة موقعها وحاجات إنسانها المادية والأمنية والروحية، وفضلاً عن كونها مدينة فريدة فهي مدينة شرق أوسطية، حملتْ بعض سمات نظيراتها في المنطقة، هذه المدن نشَأَت كمحطَّات على الطرق الواصلة بين مصادر الحضارات في مراحل تاريخية متعدِّدة[18].

 وهكذا يمكن القول: إنَّ القدس غدَتْ مصبًّا للحضارات الوافدة، وبَوْتَقَةً للتفاعل بينها، تتمثَّل القِيَم في رحمها فتلدها حضارة متميِّزة.

وكذلك يمكن القول: إنَّه لوقوع القدس على خطوط المواصلات، فقد أدَّى ذلك إلى تلاقُح الحضارات على أرضها وظهور ملامح خاصَّة حفلت بها، ومن أهمِّ هذه الملامح تبَلْوُر ثقافة مقدسيَّة متميِّزة تتعايَش في بيئة عربية إسلامية، وتحتَضِن تعدُّديَّة دينيَّة وثقافيَّة تعايَشَتْ في سلام ووئام فيما بينها.

 وليس غربيًا - والحالة هذه - أن تغدو القدس مصدر إلهامٍ لكثيرٍ من المبدِعِين من العلماء والأدباء، وأن يصبح موقعها ودورها عاملَين فاعلَين في تخطيطها وفي تشكيلها المعماري وبنائها الحضاري المتميِّز[19].

 وهكذا كانت الطبيعة والجغرافيا وعبقرية المكان آفاقًا من آفاق التحدِّي؛ إذ تتحدَّى بها القدس كلَّ عوامل الفناء والاندثار، بل هي آفاق تحثُّها على الشموخ وتفرِض عليها البقاء والكبرياء رغم ما يقترفه الصهاينة من جرائم بَشِعَة لتغيير معالمها والعَبَث بجغرافيَّتها، وتهويد اقتصادها وتعليمها، ستظلُّ القدس باقيَة تحكِي للأجيال القادِمة كيف تحدَّتْ صَلَف اليهود وتخريبهم وإجرامهم.

 ــــــــــــــــــ

[1] يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، سلسلة المدن الفلسطينية رقم 6 ط. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ص 9.

[2] انظر: "الموسوعة الفلسطينية" 1984م، المجلد الثالث، ص 508، وانظر: يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، ص30.

[3] "الموسوعة الفلسطينية"، مرجع سابق ص 509، وراجع بالتفصيل كتاب: "حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي" ص 13، للواء د. ياسين سويد، ط (1) دار الملتقى بيروت، لبنان 1997م.

[4] د. عدنان علي رضا النحوي: "ملحمة الأقصى"، ص 89، ط2 دار النحوي، المملكة العربية السعودية، 1993م.

[5] المقدسي: "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق 1980م، تحقيق: غازي طليمات، ص 153.

[6] انظر: د. يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، مرجع سابق، ص 43.

[7] من مقالٍ للأستاذ المرحوم: إسعاف النشاشيبي في العدد 64 من "جريدة الوحدة" بتاريخ 1 شوال 1364هـ الموافِق (1945م)، وانظر: عارف العارف: "تاريخ القدس"، ط. 2 دار المعارف، القاهرة 1994م، ص 176.

[8] عارف العارف: "تاريخ القدس"، مرجع سابق، ص 180.

[9] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ص 176.

[10] انظر: صلاح بحيري: "جغرافية الأردن"، مطبعة الشرق ومكتبتها، عمان، 1973، ص 231 - 232، أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[11] انظر: د. يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، ص 46، وانظر أيضًا: أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[12] انظر: أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[13] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ص 188.

[14] أحمد محمود التلاوي، "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعيَّة لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين)، ولمزيدٍ من التفصيل انظر: قسطنطين خمار، "أسماء الأماكن والمواقع والمعالم الطبيعيَّة والبشريَّة والجغرافيَّة المعروفة في فلسطين حتى عام 1948م"، وحسن عبد القادر صالح، "أسماء المواقع الجغرافيَّة في الأردن وفلسطين"، وأنيس صايغ، "بلدانيَّة فلسطين المحتلة 1948م، 1967م"، وفخر الدين العبيدي، "فلسطين: وصفها الجغرافي وتطورها التاريخي"، وميخائيل مكس إسكندر، "القدس عبر التاريخ: دراسة جغرافيَّة تاريخيَّة أثريَّة"، ومحمد محمد شراب، "معجم بلدان فلسطين"، وفائز أحمد، "القدس مدنها وقُراها: موسوعة عائلات وعشائر فلسطين"، و"الموسوعة الفلسطينيَّة": القسم الثاني، الدراسات الخاصة".

- Smith -2، G.A، 1907، The Historical Geography Of The Holy Land، London، p.317 -319.

3 - Karmon، Y.، 1971، Israel: ARegionat Geography، London، p.249

4 - د. يحيى الفرحان؛ "قصة مدينة القدس"، ص (30).

[18] إبراهيم الدقاق، القدس: المدينة والمعاش، بحثٌ قُدِّم إلى الندوة الثالثة "يوم القدس"، 10 - 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1992م، عمَّان (الأردن): لجنة يوم القدس، 1993م، ص181 - 182.

[19] حامد الشافعي عياب، "مكتبة المسجد الأقصى المبارك (ماضيها وحاضرها)"، بحث منشور بموقع: (مدينة القدس الإلكتروني) بتاريخ 20/ 10/ 2007م.