جديد

الخميس، 15 ديسمبر 2016

السنوات العجاف



(1)
عَمَّ صَمْتٌ..
حَلَّ بالأُفْقِ السُّكُونْ
جَفَّ ضَرْعٌ..
مات زرْعٌ..
غَارَتِ الأحْدَاقُ في جَوْفِ العُيونْ
والأيامَى في اصْطِبَارٍ..
دُونَهُ عَصْفُ الجُنُونْ
دُونَهُ دَمْعٌ تَحَدَّرْ
دُونَهُ قَلْبٌ تَفَطَّرْ
بلْ تَلَظَّى بالأنينْ
(2)
واليتامى في انْكِسَارٍ
زادَهُ صَدْعُ الفِراقْ
مَاتَتِ الأحْلَامُ فيهمْ
والأماني في انعتاقْ
ذَاكَ طِفْلٌ تَحْتَ أنْقَاضِ البُيُوتْ
ظَلَّ يَسْألُ في انْكِسارٍ:
أين أمِّي وأبِي..؟!
أين داري..؟!
أيْنَ غابتْ لُعَبِي؟!
أيْنَ أصْحَابِي الَّذِين..
شاركوني في الحنينْ؟!
أين ضحكي وبكائي..
وأنا طفلٌ صغير؟!
بين أهلي..
كنْتُ طِفْلَهُمُ الأثيرْ
أحْضُنُ الآمال، أرمي..
هَمَّ يومي..
خَلْفَ أسْوَارِ السَّرِيرْ
ثُمَّ أَصْحُو فإذا بي
في الفراشِ الوثيرْ
في هُدُوءٍ قَدْ تَلَاشَى..
ذَلِكَ الحُزْنُ الدَّفِينْ 
(3)
طَالَ شَوْقِي واشْتِيَاقِي
للعِناقِ والرّفاقْ
أين مِنِّي مجلسٌ فيه الرِّفَاقْ؟!
كيفَ صَارُوا تَحْتَ أطْبَاقِ التُّرَابْ؟!
كيف أضْحَوْا فِي مِيَاهِ البَحْرِ طُعْماً..
لِمِئَاتِ الكَائِنَاتْ؟!
والملايينُ تشاهدُ في امتعاضٍ
تتأفَّفُ لحظاتْ
ثم تُمْسِي في سُباتْ
ثم تَسْألُ في انبهارٍ:
هل تُرانا كنا في (فيلمٍ) قصير؟!
إنه (فيلمٌ) مؤثِّرْ
كان حقاً أن نكرِّمَ..
مُخْرِجَ العَمَلِ الخَطِيرْ!!
 (4)
في بلادي الجوعُ يمضي..
يَنْهَشُ الأَبْدَانَ في نَهَمٍ مُرِيعْ
يخْطَفُ الأرْوَاحَ، يَقْتَلِعُ الجُذُوعْ
ها هنا طفلٌ رضيعْ
في صُرَاخٍ دائبٍ حتى الصباحْ
ليس يُجْدِيهِ النُّوَاحْ
أمُّهُ من مسْغَبهْ..
مَصَّها الجوع فصارت حَطَبهْ
وهنا شيخٌ كبيرْ
عاثِرَ الخُطْوَاتِ يَمْشِي..
يتخبَّط تارةً، وتراه يكبو..
ثم يقْبَعُ بعد جَهْدٍ
في انتظارٍ للمصيرْ!!
(5)
في رؤى الأحلام في ماضي الزمانْ
سَبْعُ بَقَراتٍ عِجَافْ
يَلْتَهِمْنَ سَبْعَ بقراتٍ سِمَانْ
أما في هذا الزمانْ
فالسِّمَانْ
يَلْتَهِمْنَ كُلَّ شيءٍ
حتى لم يبق الرَّغَامُ للعِجَافْ
العجاف؟!
وَيْحَهُنَّ .. !!
دبَّ فيهنَّ الوهَنْ
يا له من منظرٍ..!!
قد وقعن تحت أنياب السمانْ
 (6)
بانتقامْ..
كُلِّ مَنْ يَأْبَى الظَّلَامْ
صار رَهْنَ الاعتقال
بات أَرْبابُ السِّمَانْ
يَبْذُرونَ الحِقْدَ فِي قَلْبِ السَّوَادْ
 باتوا يرعون الفسادْ
يسرقون..
يرتشون..
يغْدرون..
يَحْرِقُون..
يَقْتُلُون..
يأمرون بالركوع
والخضوع والخنوع
كي نسبِّحَ دائماً
بِحَمْدِ مَنْ أفنى العبادْ
ولْيَكُنْ هُتافُنَا في كل حين:
عَاشَ سُلْطَانُ البلادْ
(7)
آهِ.. ما هذا السكونْ؟
إنني ما عدتُ أسمعُ ..
في المدائنِ..
غيرَ أصْوَاتِ الغُرابْ
ونعيقَ البُومِ يَسْرِي..
في فَضَاءَاتِ الخَرَابْ
إنها أيام جدب
ذاق فيها كُلُّ حرٍّ..
كلَّ ألوانِ العَذَابْ
******