جديد

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

عاشق الفصحى

                                                                                                                                            
أَدْمَنْتُ حُبَّكِ هَـلْ تُحْـيِينَ لِـي أَمَـلا؟

يا ربَّـة السِّحْرِ هَــاكِ العِشْقَ مُكْتَمِلا

[مَـا لِـي أُكَتِّـمُ حُبًّـا] كَـادَ يَقْتُـلُنِي

شَـوقًا إِلَيْكِ عَـلَـى الأيَّـامِ مُتَّصِـلا؟!

إِنَّ الحَيَـاءَ سَـبِيـلٌ لا أراه سِــوَى

قَيْـدٍ يُكَبِّـلُ مِـنْ أشْواقِنَا الجَـلَلا[1]

يَمَّمْـتُ وجْهِـي إليكِ ليسَ يَصْرِفُنِـي

عَنْكِ انشِغَالٌ، وهَلْ أرجُـو بِكِ البَـدَلا؟!

كَـلا، ولا سَاقَنِـي للوَجْـدِ فَـاتِـنَـةٌ

يُعْـشِي[2] العُيُونَ سناها، حَلَّ أو رَحَلا

أنتِ الحَبِيبَةُ يا فُصْحَــى وبِي وَلَــعٌ

يُزَلْزِلُ الـدَّرْبَ سَـهْـلا كَانَ أو جَـبَلا

أْحْبَبْتُ فِيكِ شُمُوخًـا لَسْـتُ ألمَحُــهُ

فِيما سِـوَاكِ وعِـزًّا قَـدْ نَمَـا وعَـلا

وَرَوْعَةً مِنْ جَـلالِ الحُسْـنِ أرْشُفُـها

فَتَرْتوي الـرُّوحُ بالقَطْرِ الَّذِي انْهَمَلا[3]

غَـيْرَ الفَصَاحَـةِ لا ينْفَـكُّ ذائِـقُـهـا

يشـتاقُ؛ حيثُ يَذُوقُ الشَّهْـدَ والعَسَـلا

أَمَّـا العَـرَاقَـةُ لا تَخْفَـى فضَائِلُهَــا 

قَـدْ أَلْبَسَتْكِ حُلَـى الأفْضَـالِ والحُــلَلا

وَكُنْتِ خَـيْرَ لُغَـاتِ الأرضِ قَاطِـبــةً

لَمَّـا شَـرُفْـتِ بِنُـورِ الذِّكْـرِ إذْ نَـزَلا

وَسِعْـتِ نُطْـقًا كلامَ الله وانْبَلَجَــتْ[4]

مِنْكِ الحقـائقُ فـي لفْـظٍ صَفَـا وحَـلا

رَاقَ البيـانُ وصَـار اللفـظُ في أَلَــقٍ

كالـدُّرِّ فـي العِقْـدِ إِنْ يُسْلَكْ سَمَا وغَلَا

وحَسْـبُنا مِـن لسـان الضَّـادِ أنَّ لَـهُ

فَيْضًا مِـنَ الهَدْيِ بَلْ نبعًـا قَـدِ اشْتَمَلا

عَلَـى العُـلُـومِ الَّتِي صَاغَتْ حَضَارَتَنَا

نُوراً إلـى العَالَمِـين يَبْعَــثُ الشُّعَـلا

يَهْـدِي الحَيَارَى بِكُلِّ الأَرْضِ يُنْقِــذُهُمْ

مِنَ الغَيَـاهِبِ[5] أَوْ يَهْـدِيهِـمُ السُّـبُلا

والعُـرْبُ فِي لُغَـةٍ كالـدَّوْح بَاسِـقَــةٍ

عَلَـى الزَّمَانِ تَمُـدُّ الفَـيْءَ[6] والظُّـلَلا

لا يعْـتَرِيهَـا بِلَىً؛ فَاللهُ حَـافِـظُهَـــا

حِـفْظًا يَظَــلُّ مَـعَ القُـرْآنِ مُتَّصِــلا

أمَّــا اللُّغَـاتُ سوى الفصحى على خَطَرٍ

قَــدْ نَالَ منها فباتَتْ تَشْتَكِي العِـــلَلا

مَرَّتْ علَيْهـا صُـرُوفُ الدَّهْر فـاندَثَرَتْ

وأَوْرَثَتْ نَاطِقِيـها العِـيَّ والخَــطَلا[7]

لا يَعْــرِفُونَ سِـوَى لَيِّ اللِّسَـانِ وقَـدْ

شَاهَـتْ لُغَاتُهُــمُ فَاستمرؤوا[8] الجَـدَلا

وصَـارَ كُلُّ فَـرِيــقٍ عَبْــدَ غَاصِبِــهِ

يَرْتَـادُ مِنْ رَطْنهِ[9] الألفــاظَ والجُمَــلَا

ومِنْ عَجِيبٍ تَرَى أَبْنَـاءَ يَعْـــرُبَ قَــدْ

حَبَاهُــمُ اللهُ حُسْــنَ النُّطْقِ مُعْـتَــدِلا

ورَغْـمَ ذَاكَ تَرَاهُــمْ يَتْبَعُــونَ سُــدًى

رَطَانَةَ العُجْــمِ فِـي زَهْــوٍ بَـدَا ثَمِـلا

قَـدْ بَدَّلُــوا بِفَصِيــحِ القَــوْلِ عَيَّــهُمُ

وبِالـبَيَـانِ الغَـنِـيِّ اسْـتَبدَلُـوا الـزَّلَـلا 

لا تحـزني لغــة القــرآن واصطــبري

عسى يؤوب غَداً مَـنْ ضَــلَّ أو غَفَــلا

******





([1]) ـ الجَلَلُ من الأضداد؛ يستخدم للصغير وللعظيم من الأمور، والمقصود هنا العظيم.
([2]) ـ يُعْشِي: من أعشى، وأعشاه اللهُ: جعله ضعيفَ البصر ليلاً، والمقصود أن جمالها يضعف البصر من شدة نوره.
([3]) ـ انهملَ الغيث: فاض وسال، وانهملَتِ العينُ: همَلت، فاضت دموعًا وسالت.
([4]) ـ انْبَلَجَت: أي أشرقت وظهرت ،  وانبلج الصبح: أي أضاء.
([5]) ـ الغياهب: جمع غيهب وهو الظلمة.
([6]) ـ الفَيْءُ: ما كانَ شَمْساً فَيَنْسَخُهُ الظِّلُّ، أو الظل الذي يأوي إليه الرجل من الحر.  
([7]) ـ العِيّ: خلاف البيان، وهو عدم القدرة على الإفصاح والتعبير، الخطل: المنطق الفاسد المضطرب وقد "خطل" في كلامه من باب طرب، وأخطل: أي أفحش.
([8]) ـ استمرأ الشيء: تلذّذ وتمتع به.
([9]) ـ الرَّطْن والرَّطانة من قَوْلهم: تراطنَ القومُ بَينهم، إِذا تكلّموا بِكَلَام غيرِ مَفْهُوم بلُغتهم، وَأكْثر مَا يُخَصّ بذلك الْعَجم وَالروم.