جديد

الخميس، 15 ديسمبر 2016

السنوات العجاف



(1)
عَمَّ صَمْتٌ..
حَلَّ بالأُفْقِ السُّكُونْ
جَفَّ ضَرْعٌ..
مات زرْعٌ..
غَارَتِ الأحْدَاقُ في جَوْفِ العُيونْ
والأيامَى في اصْطِبَارٍ..
دُونَهُ عَصْفُ الجُنُونْ
دُونَهُ دَمْعٌ تَحَدَّرْ
دُونَهُ قَلْبٌ تَفَطَّرْ
بلْ تَلَظَّى بالأنينْ
(2)
واليتامى في انْكِسَارٍ
زادَهُ صَدْعُ الفِراقْ
مَاتَتِ الأحْلَامُ فيهمْ
والأماني في انعتاقْ
ذَاكَ طِفْلٌ تَحْتَ أنْقَاضِ البُيُوتْ
ظَلَّ يَسْألُ في انْكِسارٍ:
أين أمِّي وأبِي..؟!
أين داري..؟!
أيْنَ غابتْ لُعَبِي؟!
أيْنَ أصْحَابِي الَّذِين..
شاركوني في الحنينْ؟!
أين ضحكي وبكائي..
وأنا طفلٌ صغير؟!
بين أهلي..
كنْتُ طِفْلَهُمُ الأثيرْ
أحْضُنُ الآمال، أرمي..
هَمَّ يومي..
خَلْفَ أسْوَارِ السَّرِيرْ
ثُمَّ أَصْحُو فإذا بي
في الفراشِ الوثيرْ
في هُدُوءٍ قَدْ تَلَاشَى..
ذَلِكَ الحُزْنُ الدَّفِينْ 
(3)
طَالَ شَوْقِي واشْتِيَاقِي
للعِناقِ والرّفاقْ
أين مِنِّي مجلسٌ فيه الرِّفَاقْ؟!
كيفَ صَارُوا تَحْتَ أطْبَاقِ التُّرَابْ؟!
كيف أضْحَوْا فِي مِيَاهِ البَحْرِ طُعْماً..
لِمِئَاتِ الكَائِنَاتْ؟!
والملايينُ تشاهدُ في امتعاضٍ
تتأفَّفُ لحظاتْ
ثم تُمْسِي في سُباتْ
ثم تَسْألُ في انبهارٍ:
هل تُرانا كنا في (فيلمٍ) قصير؟!
إنه (فيلمٌ) مؤثِّرْ
كان حقاً أن نكرِّمَ..
مُخْرِجَ العَمَلِ الخَطِيرْ!!
 (4)
في بلادي الجوعُ يمضي..
يَنْهَشُ الأَبْدَانَ في نَهَمٍ مُرِيعْ
يخْطَفُ الأرْوَاحَ، يَقْتَلِعُ الجُذُوعْ
ها هنا طفلٌ رضيعْ
في صُرَاخٍ دائبٍ حتى الصباحْ
ليس يُجْدِيهِ النُّوَاحْ
أمُّهُ من مسْغَبهْ..
مَصَّها الجوع فصارت حَطَبهْ
وهنا شيخٌ كبيرْ
عاثِرَ الخُطْوَاتِ يَمْشِي..
يتخبَّط تارةً، وتراه يكبو..
ثم يقْبَعُ بعد جَهْدٍ
في انتظارٍ للمصيرْ!!
(5)
في رؤى الأحلام في ماضي الزمانْ
سَبْعُ بَقَراتٍ عِجَافْ
يَلْتَهِمْنَ سَبْعَ بقراتٍ سِمَانْ
أما في هذا الزمانْ
فالسِّمَانْ
يَلْتَهِمْنَ كُلَّ شيءٍ
حتى لم يبق الرَّغَامُ للعِجَافْ
العجاف؟!
وَيْحَهُنَّ .. !!
دبَّ فيهنَّ الوهَنْ
يا له من منظرٍ..!!
قد وقعن تحت أنياب السمانْ
 (6)
بانتقامْ..
كُلِّ مَنْ يَأْبَى الظَّلَامْ
صار رَهْنَ الاعتقال
بات أَرْبابُ السِّمَانْ
يَبْذُرونَ الحِقْدَ فِي قَلْبِ السَّوَادْ
 باتوا يرعون الفسادْ
يسرقون..
يرتشون..
يغْدرون..
يَحْرِقُون..
يَقْتُلُون..
يأمرون بالركوع
والخضوع والخنوع
كي نسبِّحَ دائماً
بِحَمْدِ مَنْ أفنى العبادْ
ولْيَكُنْ هُتافُنَا في كل حين:
عَاشَ سُلْطَانُ البلادْ
(7)
آهِ.. ما هذا السكونْ؟
إنني ما عدتُ أسمعُ ..
في المدائنِ..
غيرَ أصْوَاتِ الغُرابْ
ونعيقَ البُومِ يَسْرِي..
في فَضَاءَاتِ الخَرَابْ
إنها أيام جدب
ذاق فيها كُلُّ حرٍّ..
كلَّ ألوانِ العَذَابْ
******

الخميس، 8 سبتمبر 2016

أشجار الحنظل


هـل مـن الحنظـل نجنـي عنبـا؟!
قـد ضـللنـا؛ إِذْ زَعَمْـنَا كَـذِبَـا
لا أرى الحنـظل فـي الأرض سـوى
غَـرْسِ شيْـطـانٍ عَـنِ الحَقِّ نَبَـا
مَـدَّ فـي الأرضِ جُـذُوراً وَلَـهُ
أَذْرُعٌ فـي الأفـقِ ترمـي لهَـبَـا
تحْـرِقُ الأزهـارَ لا تـدْرِكُ مـا
يحتـويه الزهـر مِـنْ سِحـْرِ الرُّبَا
تَشْـنُـقُ الأطـيارَ لا تتـركـهـا
تُرْسِـلُ الألحـانَ عِـطْـراً ذائـبـا
تَسْحَـقُ الأشجـارَ تمحـو ظِلَّـهـا
فـإذا الأشـجـارُ أمْسـتْ حَطَـبَـا
تُغْـرقُ الآمـالَ فـي بَحْـرالدُّجَـى
تَسْـرِقُ الأنسـامَ مـن ريح الصَّبـا
هــاهنــا لَـمْ يَبْـقَ إلا ريحُـهُ
صَـرْصَـرًا تَعتــو علـينا حُقُبــا
وهنــا لــم نَجْــنِ إلا ثَمَـرًا
عَلْقَـمـــاً منــه يَؤُزُّ الغَضَــبَا
لَـيْتَنَــا مِنْـهُ نُنَـقِّـي أَرْضَــنَـا
كَيْ يعُودَ العَـيْـشُ فِيهَــا طَـيِّبــَـا

******

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

عاشق الفصحى

                                                                                                                                            
أَدْمَنْتُ حُبَّكِ هَـلْ تُحْـيِينَ لِـي أَمَـلا؟

يا ربَّـة السِّحْرِ هَــاكِ العِشْقَ مُكْتَمِلا

[مَـا لِـي أُكَتِّـمُ حُبًّـا] كَـادَ يَقْتُـلُنِي

شَـوقًا إِلَيْكِ عَـلَـى الأيَّـامِ مُتَّصِـلا؟!

إِنَّ الحَيَـاءَ سَـبِيـلٌ لا أراه سِــوَى

قَيْـدٍ يُكَبِّـلُ مِـنْ أشْواقِنَا الجَـلَلا[1]

يَمَّمْـتُ وجْهِـي إليكِ ليسَ يَصْرِفُنِـي

عَنْكِ انشِغَالٌ، وهَلْ أرجُـو بِكِ البَـدَلا؟!

كَـلا، ولا سَاقَنِـي للوَجْـدِ فَـاتِـنَـةٌ

يُعْـشِي[2] العُيُونَ سناها، حَلَّ أو رَحَلا

أنتِ الحَبِيبَةُ يا فُصْحَــى وبِي وَلَــعٌ

يُزَلْزِلُ الـدَّرْبَ سَـهْـلا كَانَ أو جَـبَلا

أْحْبَبْتُ فِيكِ شُمُوخًـا لَسْـتُ ألمَحُــهُ

فِيما سِـوَاكِ وعِـزًّا قَـدْ نَمَـا وعَـلا

وَرَوْعَةً مِنْ جَـلالِ الحُسْـنِ أرْشُفُـها

فَتَرْتوي الـرُّوحُ بالقَطْرِ الَّذِي انْهَمَلا[3]

غَـيْرَ الفَصَاحَـةِ لا ينْفَـكُّ ذائِـقُـهـا

يشـتاقُ؛ حيثُ يَذُوقُ الشَّهْـدَ والعَسَـلا

أَمَّـا العَـرَاقَـةُ لا تَخْفَـى فضَائِلُهَــا 

قَـدْ أَلْبَسَتْكِ حُلَـى الأفْضَـالِ والحُــلَلا

وَكُنْتِ خَـيْرَ لُغَـاتِ الأرضِ قَاطِـبــةً

لَمَّـا شَـرُفْـتِ بِنُـورِ الذِّكْـرِ إذْ نَـزَلا

وَسِعْـتِ نُطْـقًا كلامَ الله وانْبَلَجَــتْ[4]

مِنْكِ الحقـائقُ فـي لفْـظٍ صَفَـا وحَـلا

رَاقَ البيـانُ وصَـار اللفـظُ في أَلَــقٍ

كالـدُّرِّ فـي العِقْـدِ إِنْ يُسْلَكْ سَمَا وغَلَا

وحَسْـبُنا مِـن لسـان الضَّـادِ أنَّ لَـهُ

فَيْضًا مِـنَ الهَدْيِ بَلْ نبعًـا قَـدِ اشْتَمَلا

عَلَـى العُـلُـومِ الَّتِي صَاغَتْ حَضَارَتَنَا

نُوراً إلـى العَالَمِـين يَبْعَــثُ الشُّعَـلا

يَهْـدِي الحَيَارَى بِكُلِّ الأَرْضِ يُنْقِــذُهُمْ

مِنَ الغَيَـاهِبِ[5] أَوْ يَهْـدِيهِـمُ السُّـبُلا

والعُـرْبُ فِي لُغَـةٍ كالـدَّوْح بَاسِـقَــةٍ

عَلَـى الزَّمَانِ تَمُـدُّ الفَـيْءَ[6] والظُّـلَلا

لا يعْـتَرِيهَـا بِلَىً؛ فَاللهُ حَـافِـظُهَـــا

حِـفْظًا يَظَــلُّ مَـعَ القُـرْآنِ مُتَّصِــلا

أمَّــا اللُّغَـاتُ سوى الفصحى على خَطَرٍ

قَــدْ نَالَ منها فباتَتْ تَشْتَكِي العِـــلَلا

مَرَّتْ علَيْهـا صُـرُوفُ الدَّهْر فـاندَثَرَتْ

وأَوْرَثَتْ نَاطِقِيـها العِـيَّ والخَــطَلا[7]

لا يَعْــرِفُونَ سِـوَى لَيِّ اللِّسَـانِ وقَـدْ

شَاهَـتْ لُغَاتُهُــمُ فَاستمرؤوا[8] الجَـدَلا

وصَـارَ كُلُّ فَـرِيــقٍ عَبْــدَ غَاصِبِــهِ

يَرْتَـادُ مِنْ رَطْنهِ[9] الألفــاظَ والجُمَــلَا

ومِنْ عَجِيبٍ تَرَى أَبْنَـاءَ يَعْـــرُبَ قَــدْ

حَبَاهُــمُ اللهُ حُسْــنَ النُّطْقِ مُعْـتَــدِلا

ورَغْـمَ ذَاكَ تَرَاهُــمْ يَتْبَعُــونَ سُــدًى

رَطَانَةَ العُجْــمِ فِـي زَهْــوٍ بَـدَا ثَمِـلا

قَـدْ بَدَّلُــوا بِفَصِيــحِ القَــوْلِ عَيَّــهُمُ

وبِالـبَيَـانِ الغَـنِـيِّ اسْـتَبدَلُـوا الـزَّلَـلا 

لا تحـزني لغــة القــرآن واصطــبري

عسى يؤوب غَداً مَـنْ ضَــلَّ أو غَفَــلا

******





([1]) ـ الجَلَلُ من الأضداد؛ يستخدم للصغير وللعظيم من الأمور، والمقصود هنا العظيم.
([2]) ـ يُعْشِي: من أعشى، وأعشاه اللهُ: جعله ضعيفَ البصر ليلاً، والمقصود أن جمالها يضعف البصر من شدة نوره.
([3]) ـ انهملَ الغيث: فاض وسال، وانهملَتِ العينُ: همَلت، فاضت دموعًا وسالت.
([4]) ـ انْبَلَجَت: أي أشرقت وظهرت ،  وانبلج الصبح: أي أضاء.
([5]) ـ الغياهب: جمع غيهب وهو الظلمة.
([6]) ـ الفَيْءُ: ما كانَ شَمْساً فَيَنْسَخُهُ الظِّلُّ، أو الظل الذي يأوي إليه الرجل من الحر.  
([7]) ـ العِيّ: خلاف البيان، وهو عدم القدرة على الإفصاح والتعبير، الخطل: المنطق الفاسد المضطرب وقد "خطل" في كلامه من باب طرب، وأخطل: أي أفحش.
([8]) ـ استمرأ الشيء: تلذّذ وتمتع به.
([9]) ـ الرَّطْن والرَّطانة من قَوْلهم: تراطنَ القومُ بَينهم، إِذا تكلّموا بِكَلَام غيرِ مَفْهُوم بلُغتهم، وَأكْثر مَا يُخَصّ بذلك الْعَجم وَالروم.

الاثنين، 20 يونيو 2016

غضبة التصحيح


قالـوا هلموا إلى التصحيح وارتقبـوا

مجـداً تليـداً وحظاً ليس يُكـتسبُ

إنا منحـناكم ـ فضـلاً ومكـرمة ـ

خير المدارس كي ترقوا وتنتسـبوا

طوبى لمـن غـدت "الليسـيه" لجنته

فيها العطاء وفيها الخـير ينسـكبُ

فيها الصـفاء لمن قد جـاء معتكـراً

فيها الهناء لمن قـد ظـل يكتـئبُ

" ليسـيه حرية " أنعــم بها نـزلاً

فيها الفخـار وفيها العـز والحسـبُ

قلـنا هـنيئا لـنا فالحـظ مبتســم

من كل فـج عميق جئـنا نحتسـبُ

جئـنا فــرادى ومثنى كلـنا أمـل

كأننا أنجـم فـي الأفـق أو شهـبُ

سـرنا حثيثاً سكـوتا ًنحـو لجنتنـا

كأنـنا في سُـرانا الجحـفلُ اللجـبُ

حتـى إذا ما ثـوت بالسـاح أرجـلنا

ضـاق المكان بنا وانتابنا الغضـبُ

سـيق المئاتُ كما الأغنـام تنزجــرُ

نحو الحظائر رغـم الجـوع تُحتلبُ

تسعون شخصاً بدوا من ضيق حجرتهم

نزلاء معـتقل بالذل قــد ضُـربوا

ذقـنا المهـانة ألـواناً مـزركشـة

مثل السجين الذي من طبعه الهـربُ

يـكفينـا ذلاً بـأن المـاء نطــلبه

فلا نـراه إذا مـا كـدّنا الطلــبُ

كل المراحيض قـد شُـلّت وظائفـها

نسـتثني أربعةً حـلّ بها العطـبُ

منّوا عليـنا بها في كـل غطـرسـةٍ

كأننـا إبـلٌ أصـابها  الجــربُ

قلنا لـهم : أيّ جـرمٍ اقترفنــاه ؟!

قالـوا : مصيبتكم في أنكم عـربُ

وحسبكم أنكـم ترضــون مـنزلةً

دون المنـازل لا يرضيكم الشغـبُ

هـذا زمان الأُلى إن رامـوا حقـهمُ

أو حـق غيـرهمُ بالقـوة اقتـربوا

نشكوا إلى الله بلـوانا إذ انتكســت

راياتنا وخـبا في جـوفها  اللهـبُ

* * * * *




(1) ـ كتبت هذه القصيدة بمناسبة تصحيح مادة اللغة العربية للثانوية العامة، حيث كان مقر اللجنة مدرسة ليسيه الحرية بالإسكندرية .

أنا العربي

اضغط على الصورة لرؤيتها بحجمها الطبيعي
 (1)
دعـوني آسُ جـرحـي بالـبكـاءِ 
                                  عـساه أن يخـفّف مـن شـقائي
دعـوني أبـكِ مجـداً ضـاع مـني    
                                  وأُرْثـي أمـتي خـيرَ الــرثـاءِ
فـقـد دار الزمـان وكـان أقسـى    
                                 عـلى قـلبي مـن الـداء العَـياءِ
فأصبـحت الفـقـير بغـير مـأوى   
                                وكنـت أنا المـنعَّـمَ فـي الرخـاءِ
وأصبحت السـجـين بغـير ذنـبٍ     
                                 أُسـامُ الخَسْـفَ مُنْقَطِـعَ الرجـاءِ
وأصـبحتُ الأسـيرَ لـدى أعــادٍ     
                                  قُـســاةٍ نكَّـلــوا بالأنـبيـاء
أَعـادٍ فـي الخـديعـة كالـثعـالي    
                                  وفـي التطـبيعِ أشـبـاهُ الوبـاءِ
أَعـادٍ يحـرصـون عـلى حــياةٍ     
                                  فـكـانت عـنـدهم دار البـقـاءِ
رأيتُ الغـدرَ فيـهم حـين هـبُّـوا    
                                 ذئـابـاً فـي إهـابٍ الأتقـيــاءِِ
وعـاثوا يفـسـدون النـاس طُـرَّاً   
                                عـسـاهـم أن يدينـوا بالــولاءِ
وأغـرونـي بـغِـيـدٍ سـاحـراتٍ   
                                 ومـالٍ يعـتـلي قـمـم الـثـراءِ
فـشـطّ العـقلُ حـين بـدا لعـيني    
                                  جـمـالٌ كالجُمـانِ مـن النسـاءِ
وظـلـوا يلهـبـون أُوَار قـلـبي    
                                  بأفـلامٍ يغـيـضُ بهـا حـيـائي
وأفـكارٍ تعـربد فـي السـجـايـا    
                                 ويقـتل سُـمُّـها مـعـنى الإبـاءِ
فطـوراً ينعـقـون بـمـا يسـمَّى    
                                 بــ"عـولمـةٍ" وطـوراً بالإخـاءِ
فسـِرْتُ وراءهم أقـفـو خطـاهم     
                                لعـلـي أتـقـي شــرَّ البــلاءِ
ولـيت الخــوف جنبـني أذاهـم    
                                ولـكـنْ ذُقْـتُ ألــوان العـنـاءِ
سُلِبْـتُ كرامتي وفـقدْتُ عِـرضي      
                                 وضـاعت هـيبتي بعـد انحـنائي 
*****
(2)
دعَـوْني للسـلامِ فقـلتُ مَـرْحَى      
                                 سـأحـقنُ مـا تـبقى من الدمـاءِ
إذا كـان السـلامُ يعـيد أرضـي     
                                فـكـل الصـيد فـي جـوف الفَرَاءِ
فَقـَدْتُ أحِـبّـَتِي دهــراً ولمـّا     
                                عـناهم مـا عـناني مـن التـنائي
تلاقـينا وقـلـنا ليـس حـتمـاً      
                                 معـاقـبة العــدوِّ عـلى العـداءِ
أقـرَّ لسـانُنا ـ والقـلبُ يأبـى ـ   
                                بـدولـة غاصـبٍ يبـغي فـنـائي
وأحكـمنا الحصارَ عـلى "حـمـاسٍ"   
                                لـتهـجرَ مثـلـنا سـاحَ الفــداءِ
وتركـعَ فـي صَـغَـارٍ لـلأعـادي   
                                         وتخلعَ عـن رضـىً ثـوبَ الـبَرَاءِ
وخِـلْـنَا أنـنا نحـمي حـمـانـا   
                               بهـاتـيـكَ المَـذلَّـةِ والسَّــفـاءِ
ولـم نـدركْ بـأن الـوغـدَ ذئـبٌ   
                                تـمـكَّـن مـن رقــاب الأبريـاءِ
تعـلَّم مـن تخـاذلـنا التَّجـَـرِّي     
                                فلـم يفـتأْ  يجـاهــر بالـعُـواءِ
" من النيل العـظـيم إلـى الفراتِ "   
                                أرى حُـلْـمي بـأرض الأغـبيـاءِ
ومـدَّ الغـربُ إخـوانَ الـدنـايـا    
                                بمـا أوتـوا علـى بـذل السـخاءِ  
وظـن الغـربُ أن العـُرْبَ عـادوا   
                                إلـى عـهـد البـداوة والـرِّعَـاءِ
وصـاروا كالـخـراف أو الخـيال   
                                يـذبُّ الطـيرَ فـي الأرض الخـلاء
ومـا فـطـنوا لتـاريخٍ عـريـقٍ   
                               أضـاءَ الكـون مـن ألـق السـناءِ
تناسـوا مَجْـدِيَ الوضَّاح عـمـداً   
                               لكـيمـا يـسـلبوا مـني هـنـائي
*****
(3)
رويـداً أيـهـا الـمغـرورُ إنـي    
                               سـئمتُ الضيمَ فـي أرض العــلاءِ
رويــداً إنـمـا الأحداث تَـتْرى    
                               ويـأتـي دورُنـا فـي الارتـقــاءِ
قـريباً سـوف يأتيـكم " صـلاحٌ "  
                              يحــرر مـسـجدي بالأصـفــياءِ
فحرّض ما استطعت الغرب ضـدي    
                                فـلـن أرتـدّ عـن طـلب الجـلاءِ
وقـل ما شـئت مـن كـذبٍ وزورٍ   
                                فلـن ترقـى بزعـمـك للســماءِ
ولـن تحـظى بمُـلْـكٍ يَعْـرُبِـيٍّ   
                                ولـن تغـتال حـقـي بالـجُـفـاءِ
أنا العـربي لا أخـشى الضـواري   
                               مـن الآسـادِ إن حُـشـرتْ إزائـي
أنا العـربيُّ كـم جُـبْتُ الفيـافـي  
                                 بسـيفٍ حـدُّهُ صَــرْفُ القضـاءِ
أنـا العـربيُّ أطـوي الأرض طيّاً     
                                  لنـجـدة مسـتغيثٍ فـي العَـراءِ
ولـي شـرفٌ عـلا فَـلَكَ الـثريا   
                               ولـي كـرمٌ يفـيض بـلا انتـهـاء
عـفيفُ الـروح لا أرضـى الدنايا    
                               كـثـيراً مـا أبيتُ عـلـى قَــواءِ
ولـي مـجـدٌ وتـاريـخٌ عـظيمٌ    
                               ولـي ديـنٌ تـلأْلأَ بـالـضــيـاءِ
ولـي أرض مـطـهَّـرةٌ تَلَـظـَّى   
                               جـحـيمـاً للـطـغـاة الأشـقـياءِ
فكـم بـاغٍ أغـار عـلى حمـاها    
                                فـنال ببـغـيه ســوء الجــزاءِ
وفـرَّ يـئنُّ مـن رُزْءٍ ثـقــيـلٍ   
                                ولم يصـبر عـلـى مُـرِّ اللقــاءِ 
*****
(4)
لـقـد قـلتم قـديمـا إن فـيهـا    
                                جـبـابرةٌ مـن العُـرْبِ الظِّـمَـاءِ
إلى شـرب الدمـاء مـن الغُـزَاةِ   
                              وسـحـق المـعـتدي فـي كـبرياءِ
سـل الـتاريخَ يـا عربيـدُ عـنَّا   
                              فكـم خضـعت لـنا شُـهُبُ السـماءِ
ألـم تسـمع عـن الرهـبان ليلا    
                                ألـم تـرجـع بعـقـلك للـوراءِ ؟
ألـم تـر أنـنـا كـنـا بُــدُورًا   
                              يبـدِّدُ نـورُنـا ظُـلَـمَ الفـضـاء ؟
ونسـمـو بالعـقـول إلـى ذراها   
                               لتخـرج مـن ديـاجـير الـغــباء
ونبسـط في الـدُّنا سـلطان عـلم   
                               لـنفـتح للـورى بـاب الـنجــاء
وكـنا فـي المعـامـع لا نُبَـارَى   
                               نسـوقُ عـدوَّنا ســوقَ الحُــداءِ
نعـد لـهم عـتادا مـا اسـتطعنا    
                               ونُبْـلِي فـي الـوغى خـير البَـلاء
سـل "الـيرموكَ" أو "حطِّـينَ" عنَّا    
                                وسل "بـدراً" و "خـيبرَ" عن مَضَائي
فكـم هـوت العـروشُ أمام سيفي    
                                فَمُلْكُ الـفـرسِ يُـنـْثَرُ كالـهـباءِ
وأرض الـروم تركـع في صـغارٍ    
                                لـتنجـوَ مـن دمـارٍ أو فَـنــاءِ
نَشَـرتُ سمـاحة الإسـلام حـتى    
                               جـبال الصـين أصـغـت للنــداءِ
وغـردت البسـيطةُ وهـي تعـنو   
                               ـ بتـوحـيدٍ ـ إلـى رب العـطـاءِ
قـرونًا قـد مـلأنا الأرضَ عِـزًّا    
                               وضـاق الشـركُ مـن طـول الثَّوَاءِ
ولـكـنّا تـفـرقـنـا فَـهُـنَّـا    
                              وأصبحـنا طـحـيناً فـي الـرَّحـاءِ
وأصـبحنا العـبيـد لـكل بـاغٍ     
                               تُفَـرِّقُ شـمـلَـنا أيـدي القِـمَـاءِ
يـذبِّـح غاصـبٌ أطـفال شعبي     
                              ويهـتك فـاجـرٌ عِـرْضَ النـسـاءِ
يُكـرَّمُ كـلُّ من قـد سـبَّ ديني      
                              ويُفـتـكُ كـلَّ حـينٍ بالـفـدائـي 
*****
(5)
أفيـقـوا أيُّها العُـرْبُ السُّـكَارَى    
                               وهـبُّـوا مزِّقــوا ثـوبَ العَـفَـاءِ
إلامَ تنـحـنـي مـنَّـا جِـبــاهٌ   
                               لـجَــوَّاظٍ تـطـاول بـالـبَــذاءِ
تعـالَـوا نسـتمـدّ النـورَ عـذباً   
                               مـن القـرآن مـن وحـي السـماءِ
تعـالوا نـنزعِ الأحـقـادَ مِـنَّـا    
                               ونـدفـنْ كـلَّ أسـبابِ الجَـفَــاءِ
تعـالـوا نتَّحـدْ في الخـير دوماً     
                                ونجعـلْ عـهـدنا عهـد الـوفـاءِ
ليصـبحَ عـيشُـنا أنسـاً وطـيباً    
                                ونـحـيا بـالـمحـبة والصـفـاءِ
وأهتـفَ منشـداً والكـون يصـغي    
                               أنـا العـربـيُّ مـرفـوعُ اللــواءِ

* * * * *